التوكيد:
تابع يؤتى به تثبيتاً لمتبوعه ولرفع احتمال السهو أَو المجاز في الكلام،
ويكون بتكرار اللفظ نفسه سواءٌ أَكان اسماً أَم فعلاً أم حرفاً أم شبه جملة أم
جملة، مثل: زارني الأَمير الأَمير. سافر سافر الحاجّ، نعمْ نعم قبلت، بقلمك بقلمك
كتب أَخوك رسالته، لقد تم الصلح لقد تم الصلح.
وهذا التوكيد أَحد أَساليب العربية في تقوية الكلام وأَثره في نفس السامع
وهو هنا قسمان: توكيد لفظي يكون بتكرار اللفظ كالأَمثلة السابقة أَو بذكر مرادفه
بعده مثل: "ذهب غادرَ أَخوك".
أما التوكيد المعنوي فيكون بسبعة أَسماء يضاف كل منهما إلى ضمير[1]
والغرض من التوكيد بأَلفاظ الشمول (كل، جميع، عامة) دفع توهم السامع احتمال
تخلف بعض المذكورين، كما أن الغرض من التوكيد بالنفس والعين ألا يتوهم السامع
احتمال مجيءِ نائب الحاكم مثلاً أو كاتبه، وإليك بعض الملاحظات:
1- التوكيد خاص
بالمعارف كالأَمثلة المتقدمة. أَما النكرة فلا يفيد توكيدها إلا إذا كانت محدَّدة
وكان التوكيد من ألفاظ الشمول مثل: غبت شهراً كله.
2- لا يؤكد ضمير
الرفع المستتر ولا المتصل بالنفس والعين إلا بعد توكيدهما بضمير رفع منفصل: أَخوك
سافر هو نفسُه، قبلتم أنتم أَعينُكُم.
أَما ضمير
النصب وضمير الجر فيجوز توكيدهما وإن لم يؤكدا بضمير منفصل: أَكرمتك عينَكَ أَو
أَكرمتك أَنت عينَك، ومررت به نفسِه أَو مررت به هو نفسِه.
يؤكد بضمير
الرفع المنفصل جميع الضمائر سواءٌ أَكانت ضمائر رفع أَم ضمائر نصب أم ضمائر جر:
سافرت أَنت نفسُك، أَسمعتك أَنت عينَك، ومررت به هو نفسِه، ويكون الضمير المؤكِّد
في موضع رفع أو نصب أَو جر تبعاً للضمير المؤكَّد.
3- يقوَّى
التوكيد بتوكيد آخر وهو لفظ (أَجمع) مطابقاً للمؤكَّد فنقول: تلوت الخطابَ كلَّه
أَجمعَ، ونقلت الصحيفةَ كلَّها جمعاءَ، وهنأْت الفائزين كلَّهم أَجمعين والفائزات
كلَّهن جُمعَ.
أَما في
التثنية فيكتفى بـ(كلاهما وكلتاها) فقط.
ويمكن أَن
يؤكد بـ(أَجمع) ومؤنثها وجمعها مباشرة بدون (كل) فنقول: أَعجبتني الخُطب جُمَعُ
والخطباءُ أَجمعون.
4- يستحسنون في
المثنى جمع التوكيد مثل: (حضر المدعوان أَنفسُهما) وذلك لئلا تتوالى تثنيتان في
كلمة واحدة: (حضر المدعوان نفساهما) والعرب تستثقل ذلك، وفي القرآن الكريم: {إِنْ
تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} والمعنى (قلباكما).
5- قد تزاد
الباءُ في كلمتي (نفس وعين) حين يؤكد بهما فيقال: قابلني الأَميرُ نفسُه، وقابلني
الأَمير بنفسه. فتجران لفظاً وتكونان في محل رفع أَو نصب تبعاً للمؤكَّد[2].
الشواهد:
(أ)
. {أَيَعِدُكُمْ
أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ،
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ}-1
.{فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}-2
.{وَقُلْنا يا آدَمُ
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}-3
.{فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلاّ إِبْلِيسَ}-4
.{قالَ
فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}-5
إلى الشر دعَّاءٌ
وللشر جالب 6- فإِياك إِياك المراءَ فإِنه
[الفضل بن عبد الرحمن
القرشيد]
أَخذت
عليَّ مواثقاً وعهودا 7- لا لا أبوح بحب بثينة إنه جميل
8-جميعهم
وهمْدان فداك حيُّ خولان
أعرابية ترقّص ولدها
[3]. ((ما صام رسول الله شهراً كلَّه إلا رمضان))-9
هذا المعنى نفسه هو الذي روعي في استخدام النحاة للكلمة، إذ يقصدون
بالتوكيد: استخدام طرق خاصة لتقوية الكلام السابق وتثبيته سواء بإعادة اللفظ نفسه
أم استعمال كلمات خاصة؛ لتثبيت المعنى ودفع الشبه عنه، وذلك كقولنا: "النفاقُ
غشٌّ غشٌّ" أو قولنا: "سنقاتل سنقاتل، ولن نستسلم" أو قولنا:
"الجبانُ لا يستحق الحياةَ نفسَها".
وقد ورد التوكيد في اللغة -بالمعنى السابق- على صورتين: صورة التوكيد
اللفظي، وصورة التوكيد المعنوي[4].
التوكيد اللفظي:
هو -كما جاء في قطر الندى- إعادة اللفظ الأول بعينه ا. هـ، ويقصد بذلك أن
يعاد المؤكَّد نطقا ومعنى، بقصد التقرير أو خوف النسيان أو عدم الإصغاء أو عدم
الاعتناء، وقد يكون هذا اللفظ المعاد اسما أو فعلا أو حرفا أو جملة.
1 اللاحقون: المطاردون، احبس احبس: اثبت اثبت،
يقول ذلك لنفسه تشجيعا لها المعنى: أين أهرب ببلغتي لأنجو، لا سبيل لذلك، لقد
أدركنا المطاردون ولن ينفع غير الثبات.
الشاهد: استخدم في الشطر الثاني توكيدا لفظيا لفعلين، الأول "أتاك
أتاك" والثاني "احبس احبس".
وفي خاتمة هذه الفكرة ينبغي التنبه للفرق بين أمرين كثيرا ما يختلطان هما:
التوكيد اللفظي والتكرار.
فالتوكيد اللفظي -كما سبق- هو إعادة اللفظ بعينه، أي بنطقه ومعناه تماما.
أما التكرار: فهو إعادة اللفظ بنطقه وما يشبه معناه لا بمعناه نفسه، فالأول
إذن شيء واحد، وقد استخدم له اللفظ مرتين، أما الثاني فهو شيء تكرر مرتين أو أكثر
واستخدم له في كل مرة نفس اللفظ، فلنتأمل الآتي:
- دخل إلى المدرَّجِ طالبٌ طالبٌ.
أسلوب توكيد: لأن الطالب واحد وأعيد اللفظ.
- دخل الطلابُ للمدرَّجِ طالبًا طالبًا[5].
التوكيد المعنوي:
في عبارة واحدة يمكن تحديد التوكيد المعنوي بأنه تثبيت معنى المتبوع بدفع
الاحتمالات عنه ا. هـ.
فنحن نقول مثلا: "اجتمعَ الرؤساءُ العربُ أنفسُهم" فلو اقتصر
الأمر على المؤكَّد لاحتمل الأمر أن الذين اجتمعوا هم مندوبوهم، فإذا ذكر لفظ
التوكيد "أنفسهم" ارتفع ذلك الإحتمال.
ألفاظ التوكيد المعنوي:
يمكن أن تصنف ألفاظ التوكيد المعنوي التي استقرئت من استعمال اللغة في
مجموعات أربع تتفق ألفاظ كل مجموعة منها من حيث الصفات التي تتصف بها حين تستعمل
في التوكيد، وبيانها في الآتي:
المجموعة الأولى: النفس والعين:
المجموعة الثانية: كِلَا وكِلْتَا:
المجموعة الثالثة: كل وجميع:
المجموعة الرابعة: ما سمى بالمثنى[6]
تعليقات
إرسال تعليق